القدس- رام الله، كتب معالي المهندس مازن توفيق سنقرط رئيس مجلس ادارة سنقرط القابضة وزير الاقتصاد الاسبق بخصوص معالجة الاثار الاقتصادية والاجتماعية لجائحة “كورونا” فلسطينيا ما يلي:
في البداية، لا بد لنا أن نعبر عن عظيم شكرنا وإمتنانا للقيادة الفلسطينية والحكومة الفلسطينية بكافة مؤسساتها على بعد النظر والوعي والحس الإنساني والوطني الذي إستوعب الكارثة الكونية منذ بداياتها، وتعامل معها بمنتهى المسؤولية والحزم، مما كان له الأثر الواضح على مستوى الصحة العامة للمواطنين التي تمثل الهدف الأسمى والأهم على الإطلاق.
في ذات الوقت وفي ذات السياق، لا بد لنا من مواجهة الحقيقة، فقد بات من المؤكد أن الإقتصاد الفلسطيني قد تعرض لهزة قوية جراء الإجراءات الإحترازية التي إتخذتها الحكومة لعدم تفشي فيروس “كورونا”، وإن هذه الهزة التي سوف تكشف الأيام القادمة عن مدى تأثيراتها السلبية، ستلقي بظلالها على مجمل نواحي الحياة في المجتمع الفلسطيني، الإقتصادية والإجتماعية والصحية وربما الأمنية والسياسية.
إن السيناريوهات المطروحة للأزمة وتبعاتها متعددة، منها المتشائم الذي ينبئ بالإنهيار الصحي والإقتصادي، ومنها المتفائل الذي يحسن الظن بأن الجائحة إلى زوال قريب وأن الأمور هي تحت السيطرة وستظل تحت السيطرة، وأن الإقتصاد الفلسطيني الذي تعرض لبعض الأضرار سوف يتعافى منها في مدى قريب، وبين هذا وذاك فإن معظم الآراء التخصصية تجمع على أن جائحة كورونا تعتبر من أخطر الهزات التي يتعرض لها الإقتصاد العالمي حاليا، ولتسليط الضوء على الإجراءات المتخذة والمقترحة لمعالجة الآثار الإقتصادية والإجتماعية لجائحة “كورونا” فلسطينيا، أبين ما يلي:
أولا: إن الإقتصاد الفلسطيني المحدود ذو الحجم الصغير والمقيد نتيجة لتحكم الإحتلال الإسرائيلي بكافة الموارد الطبيعية والإقتصادية الفلسطينية، وإجراءات الإحتلال على الأرض، يزيد الأمر تعقيدا على صعيد إنخفاض الإيرادات وزيادة النفقات والأعباء، وبالرغم من ذلك، فقد تعرض الإقتصاد الفلسطيني في السابق لتحديات وهزات مماثلة أو ربما أقل عنفا، وقد إستطاع أن يتفادى آثارها السلبية بأقل الخسائر، وبالنسبة لهذه الجائحة العالمية، فإن التدابير المالية والإقتصادية التي إتخذتها كل من سلطة النقد الفلسطينية والحكومة الفلسطينية والمتمثلة بموافقة مراقب البنوك على قيام الجهاز المصرفي برفع السقف الإئتماني للحكومة الفلسطينية بمبلغ أربعمائة مليون دولار أمريكي ليصبح مليارا دولار أمريكي بعدما كان مليار وستمائة مليون دولار أمريكي، وكذلك مساعي وزارة المالية الفلسطينية للحصول على سقف سيولة بمبلغ خمسمائة مليون شيقل شهريا من الحكومة الإسرائيلية على ذمة أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية. إن هذه التدابير سوف توفر الحد الأدنى المطلوب للقيام بأعباء القطاع العام الحكومي من حيث تسديد رواتب موظفي القطاع العام وتقديم الخدمات الصحية والضرورية الأخرى في الحدود الدنيا التي تفرضها حالة الطوارئ.
ثانيا: على الصعيد الإجتماعي، فإن تعزيز شبكة الأمان الإجتماعي ممثلة بوزارة التنمية الإجتماعية ولجان الزكاة المسجلة لدى وزارة الأوقاف من جهة، وصندوق “وقفة عز” من جهة ثانية، من حيث خلق آليات مدروسة بعناية لتوزيع المعونات النقدية والعينية على مئة وعشرة آلاف أسرة فلسطينية فقيرة مستحقة سوف تساهم إلى حد كبير بترميم آثار “كورونا” على الأسرة الفلسطينية. إن توسيع هدف هذه الشبكة لتشمل مئة وخمسين ألف عائلة من عوائل الفئة العاملة المتضررة ووضع تصورات وتوفير إمكانيات لجمع التبرعات بما يكفي لسد حاجة الزيادة المقترحة البالغة أربعون ألف أسرة ولمدة ستة شهور كحد أدنى وحتى نهاية العام 2020 الجاري سيكون له مردودات إيجابية جسيمة على المجتمع الفلسطيني وأمنه وإستقراره المنشودين. إن الحكومة الفلسطينية العتيدة مطالبة بالتواصل مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين ومع المؤسسات والهيئات الدولية والعربية المانحة لتوفير الدعم المالي وأي دعم مناسب آخر لتلبية الحاجات الماسة للأسر المحتاجة والوفاء بمتطلبات توسيع الشبكة وتحقيق هذه الغاية.
ثالثا: بالنسبة للقطاع الخاص وهو الركيزة الثالثة للإقتصاد الفلسطيني التي تضررت بشكل بالغ جراء إجراءات مكافحة إنتشار وباء “كورونا”، فإن حوالي 95% من مؤسساتنا الإقتصادية هي مؤسسات صغيرة أو متوسطة الحجم، وقد تعرضت هذه المؤسسات الخاصة لصدمات كبيرة جراء تأجيل الدفعات الحكومية التي كانت مقررة للقطاع الخاص، وجراء تراجع النشاط الصناعي والتجاري والزراعي وتوقف النشاط الخدمي وبالأخص السياحي تماما. وبإعتقادي أن السبيل الوحيد لنجدة القطاع الخاص يتمثل في توفير محفظة مالية بسقف أقله خمسمائة مليون دولار أمريكي يقدمها القطاع المصرفي في فلسطين بشروط ميسرة وبفائدة مخفضة تراعي تغطية المصرف لتكاليفه وإضافة هامش بسيط يحقق للمصرف ربحا متواضعا، وذلك من منطلق الحاجة الماسة للتلاحم والتكافل والتكامل بين كافة القطاعات للحفاظ على البنية السياسية والإقتصادية والإجتماعية الفلسطينية. إن مبلغ السقف المقترح بواقع خمسمائة مليون دولار أمريكي لا يشكل إلا 5% تقريبا من المحفظة الإئتمانية للمصارف العاملة في فلسطين، ويشكل حوالي 3% من حجم الودائع لدى الجهاز المصرفي، وهذه النسب منطقية ومعقولة قياسا بحجم الضرر والجهود اللازمة لإصلاحه.
رابعا: نترك للحكومة الفلسطينية الرشيدة التقدير والتقرير بشأن التخفيف التدريجي لإعادة الحياة الإقتصادية والإجتماعية لسابق عهدها في ضوء تلمس التقدم المنشود في الوضع الصحي العام مع أهمية الإبقاء على الضوابط المانعة لإنتشار الوباء وتفشيه وتقليصها تدريجيا وصولا إلى خط الأمان.
في إعتقادي أننا اليوم أمام إختبار حقيقي مطالبين فيه بإيجاد الحلول الإبداعية للخروج من هذه الأزمة، ومطالبين أيضا بإستيفاء العبر والدروس، وتعزيز قيم المواطنة الحقة وتحمل المسؤولية والتضامن بكافة أوجهه وأشكاله وبناء وتدعيم الثقة من أجل التغلب على الصعاب الآنية والفوز اليوم وغدا وفي كل ملمة.